فتوح الصحابة في العراق

تكبير الخط تصغير الخط

فتوح الصحابة في العراق

 

لم تكن فتوح العراق بأقل من فتوح الشام ، بل العكس هو الصحيح ، ففتوح العراق تعد ضعف فتوح الشام ، وأكثر من حيث ما حدث فيها من البطولات والأمجاد ، وما حدث فيها من عناد المفتوحة أرضهم ومصابرتهم ، ومع ذلك لا نجد فتحاً ذا شهرة فائقة غير القادسية بينما نجد في الشام اليرموك وأجنادين ودمشق وبيت المقدس وغيرها ، ولم تشتهر كتبٌ باسم فتوح العراق كما اشتهرت تلك التي سُمِّيَت بفتوح الشام ، وليس لذلك سبب يمكن التعلق به ، فمعارك العراق رُوِيت رواية دقيقة في كتب التاريخ وفي الكتب التي اشتهرت بفتوح الشام ؛ولا علينا من ذلك الآن ، لكن أحب أن أجعل هذا المقال كتذكرة بهذه الفتوحات التي جعلها الله في ميزان الصحابة رضي الله عنهم والجيل الأول الذين يجتهد كل مسلم في الترضي عنهم إذ حملوا أنفسهم ودينهم الإسلام بكل أمانة إلى تلك البلاد ليُكَوِنُوا أعظم حضارة في التاريخ العالمي ،حضارة الإسلام.

ولم يكن المجوس في ذلك الزمن هم أهل العراق الخُلَّص ، بل كان أهلها من الأنباط الذين هم بقايا الأشوريون والسومريون والشعوب القديمة ، بعضها يدين بالنصرانية ، وبعضها يدين بدين الصابئة وقليل منهم من المجوس ، وكذلك من العرب من قبائل إياد وتغلب والنمر بن قاسط يرحلون ويضعن ن لكن معظم تنقلهم كان في بين العراق والشام، وقبيلة تنوخ الذين منهم المناذرة اللخميون الذين حكموا العراق أو جنوب العراق متحالفين مع المجوس، وكانت ديانتهم وديانة العرب إذ ذاك يغلب عليها النصرانية .

وكان المجوس قد تغلبوا على العراق واستضعفوا جميع من فيه ، حتى ملوك العرب كان المجوس يستخدمونهم ضد العرب يتخلصون منهم بهم ، إلى أن جاء الفتح العربي الإسلامي ، ولم يكن فيه ظلم أبداً ، بل كانت قبل كل واقعة يجري من المراسلات عدد كبير ، يوضح المسلمون سبب مجيئهم ويدعون إلى الإسلام بأوضح بيان وأصدق طريقة ، ففي معركة القادسية ،وليست أول المعارك ،أرسل سعد بن أبي وقاص عشرة من الصحابة على أسهم النعمان بن مقرن إلى رستم قائد الفرس ، ثم بعث المغيرة بن شعبة ثم لما عاد بعث ربعي بن عامر ثم لما عاد بعث حذيفة بن محصن ، وقبل كل هؤلاء بعث سعد وفداً يرأسه النعمان بن مقرن إلى كسرى ، فلم يكن الفتح حرباً مباشرة بل حرب بعد جولات من محاولة السلام ،حيث قال النعمان بن مقرن لهم إنهم إن أدوا الجزية تركوهم وماهم عليه ، مع العلم أن الجزية التي يفرضها المسلمون كانت من الضئالة بمكان ،إذ لم يكن مرادهم بالصلح على الجزية إلا فتح الباب للدعوة كي تدخل في البلاد . 

 وقد بلغ من خيانة المجوس آنذاك أنَّ خالد بن الوليد على عهد أبي بكر الصديق كان قد افتتح من العراق جزءا ، وفي عهد عمر جاء أبو عبيد وهزم المجوس في وقعة النمارق ثم استشهد في معركة الجسر ، وتولى مكانه المثنى بن حارثة وخاض معركة البويب وهزمهم فيها ،وهي معركة تضاهي اليرموك حيث قتل فيها منهم مائة ألف ؛ فبعد ذلك عزل الفُرس ملكتهم بوران وولوا عليهم يزدجرد ، وطلب هذا من جميع من عاهد المسلمين من المفتوحة بلدانهم أن ينتقضوا ، وبالفعل فعلوا ذلك ، وهناك أرسل عمر رضي الله عنه سعد بن أبي وقاص ، فخاض معركة القادسية وكانت ذات قيمة عظيمة حيث كُسر فيها جيس كسرى ، ولكن تمرد المجوس لم يجعلها عليهم آخر الهزائم ، إذ خاض سعد بعدها عدداً من المواقع منها : موقعة بابل ، خاضها وهو في طريقه إلى المدائن عاصمة كسرى فهزمهم بأسرع من لفة الرداء كما قال ابن كثير.

ثم لما سار إلى المدئن وجد جيشا من المجوس متربصاً فحاربه حربا شعواء إلى أن قُتِل قائده شهريار، وتسمى هذه حرب كوثى ، نسبة للموقع الذي حدثت به. 

ثم فتح مدينة بهرسير وهي مدينة لكسري أرسل إليهم سعد سلمان الفارسي رضي الله عنه يدعوهم إلى الله لكنهم أبو ونصبوا المجانيق ، فنصب سعد أكثر من ثلاثين منجنيقاً على المدينة حتى فر أهلها منها إلى المدائن . 

وكان أهلها أفرغوا مدينهم ، وأراد سعد أن يعبر النهر إلى المدائن ولم يكن لديه جسور أو سفن كما لدى المجوس ، وكان مستجاب الدعوة بدعاء رسول الله له ، فأمر المسلمين بالعبور بخيولهم فتم لهم ذلك بإذن الله ، وقاتلوا المجوس قبل دخولهم المدائن ، وحين دخلوها وجدوها مثل سابقتها فارغة من السكان ومنهم كسرى الذي فر إلى حلوان ، إلا أنهم سيَّبوا فيها جميع أموالهم وتحفهم وتيجانهم فأخذها المسلمون وأرسلوا بعضها إلى عمر رضي الله عنه وعنهم أجمعين. 

 وفر كسرى إلى حلوان ، وفي طريقه إليها جمع من المجوس عددا عظيماً ، وأراد سعدٌ المسير إليه ولكن عمر بن الخطاب أمره أن يرسل إليهم هشام بن عتبة وهو ابن أخيه فأرسله إليهم ؛ ودخل كسرى إلى حلوان ، أما الجمع الذي جمعه فجعله خارجها وخندق عليه بالماء ، فجاء ابن عتبة بن أبي وقاص وكان الذين في الخندق يخرجون إليه فيقاتلون قتالاً شديداً حتى جاء في رابع أو خامس يومٍ اقتحم عليهم خندقهم وقاتلهم قتالا شديداً حتى هُزِمُوا وتفرقوا عما معهم وغنم المسلمون منهم مغانم كثيرة قدر التي غنوا في المدائن ، وسُمي موقع المعركة جلولاء لكثرة من جُلِّله من القتلى ، وجاء بعده دور حلوان التي فر كسرى إليها ،لكنه حينما علم بما صار في جلولاء أناب عنه في حلوان وهرب منها ، وتقدم المسلمون نحو المجوس فهزموهم ، وفتحوا حلوان فتحاً مبينا ، أما أهل القرى المحيطة فدعوهم إلى الإسلام فأبوا فصالحوهم بعد أن غنموا الجيوش وما إليها،وكان فرار كسرى إلى الري ؛ لكن أهل الموصل تقدموا إلى مدينة تكريت واستعانوا بمن يليهم من الروم والعرب النصارى ، فبعث إليهم سعد بن أبي وقاص جيشاً فحاربوهم وانتصروا عليهم ثم حاصروا المدينة ، وعرض العرب عليهم الانقلاب على حلفائهم ومحاربتهم ،فأبا المسلمون ذلك إلا أن يسلموا ، فأسلم العرب وناصروا المسلمين ، وفتح الله أبواب تكريت بعد ما يقارب الشهرين وغنموا ما فيها ؛ ثم أرسلوا جيشاً إلى الموصل ففاجأهم فصالحوه دون محاربة.

هذا ما كان من أمر العراق وما فعله الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ، أخرجوا المجوس عباد النار منه ، ووطنوا العرب المسلمين فيه ، فمن لا يذكر لخالد بن الوليد وأبي عبيد الثقفي والمثنى بن حارثة وسعد بن أبن أبي وقاص فضلهم ومن لا يذكر لعمر بن الخطاب سيادته وفضله ، ومن لا يذكر لآلاف الصحابة  والتابعين اجتماعهم وتآزرهم على هذا الأمر . 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.