آخر الأخبار

من الصواب الذي ندعو إليه في غزة
من الصواب الذي ندعوا إليه في غزة
أعظم الجهاد اليوم جهادٌ في فلسطين وأعظم الشهادة هي أن يُستشهد الإنسان في أرض فلسطين ؛ هذه هي عقيدة كل مسلم في هذه السنين التي علا فيها اليهود عُلُواً عجيباً وذلك بحبلٍ من الله تعالى وحبل من الناس ،إذ تهيأت لهم فرص التآمر ووضع المكايد التي صاروا بها يتحكمون بهذا العالم ، ولولا ما بينهم من افتراق وتباينٍ في المصالح الخاصة بكل منهم ،ومنافسات وأحقاد ،تصل إلى أن بعضهم يقف مأموروه من الرجال والدول والمنظمات في وجه البعض من مأموري الآخرين منهم، ولولا من أخرج الله عن تأثيرهم من الرجال وأيضا من الدول والتنظيمات ، لولا كل ذلك ،لرأيت دول العالم جميعها تندلق إليهم اندلاقاً أعظم من اندلاق الماء في الإبريق ، ولكن الله سلم .
وأكثرُ المسلمين إن لم نقل كلُ المسلمين يعلمون ذلك ، ولهذا قَرَّ في أنفسهم الثناء والتمجيد والإعلاء لكل من يقاومهم بالقول أو بالفعل ؛ وحكماء اليهود ومُنَظِّرُوهم يعرفون هذا جيداً ؛ ولهذا تجدهم في إعلامهم وأقوالهم وأفعالهم يبرزون شأن عددٍ ممن أبدى عداوته لهم ويمكنون لهم ، مع أن قدرتهم عليهم يسيرة في المنظور ، ويبادلون مشاغباتهم لهم بأعمال تؤيد كونهم صادقين في مناهضتهم، وبذلك يزداد مالهم عند الناس من ود ؛ ولكن الدولة الصهيونية غالباً ما تتخلص في النهاية من أمثال هؤلاء بيدها أو بيد غيرها ؛ كما فعلت مع عدد من القادة والرؤساء العرب والمسلمين منذ حرب ١٩٤٨ وحتى اليوم ، منهم صادقٌ في عداوته لهم بالفعل ، لكنه اتخذ هذه العداوة سلماً لمآرب أخرى ، ومنهم من عداوته تمثيل محض ،وبينه وبينهم ما يشهد على الإخلاص لهم لكن براعة المكايدة وغفلة المسلمين أسهمت في تصوير الصديق عدواً ، كما أسهمت في تصوير العدو صديقاً ، حيث يُظهر إعلام الصهاينة التعاطف واللين والحديث البريء مع أناس هم أشد تمسكاً بمعتقدهم، وأشد شعوراً بجريمة اليهود العظيمة في احتلالهم فلسطين ، ومثالهم الذي أتيقنه: المملكة العربية السعودية، فهي دولة ظلت على عدائها الكامل لما يُسمى دولة إسرائيل ، ولم تفتح معها خطاً للمصالحة أصلاً ولم تكن هناك زيارات علنية ولا زيارات سرية بينها وبين الكيان المحتل ، وخاضت مع العرب جميع الحروب التي خاضوها ضدهم ، وكان لها وقفات مع الفلسطينيين أيام الانتفاضات ، ووقفات مع ياسر عرفات في لقاءاته بالولايات المتحدة ، كما أن اليهود لا يكفون عن التسلط استخباراتيا لأمور نظنها مشاريعهم داخل المملكة ، فمن ذلك دعم القول بالأصل التاريخيّ لليهود في جزيرة العرب ، وهو تارة في مكة وتارة في الجنوب وتارة أخرى في الشمال وتارة في الشرق ؛وصدر بذلك كُتب لمؤلفين ، رددنا عليهم في مركز سلف للبحوث والدراسات ، وكان منهم عرب لا أشك أنهم عمِلوا لليهود ، وقد تكون هذه العمالة بعلمهم أو بجهلهم ، لكن الثابت أن ترويج تلك الأخطاء الفادحة يخدم في المستقبل البعيد سياسة اليهود ، وليس هذا هو موضوع المقال وإلا لأوفيته حقه .
المهم أن الخلاف بين السعودية والكيان على أشده ، وتشهد هذه الأيام قيام السعودية بالعمل الدبلوماسي العظيم ، وقليل من العمل الإعلامي الذي لا يجاري عملها الدبلوماسي لإسقاط فكرة الدولة الواحدة للصهاينة ؛ ومع كل هذا نجد الكلام الصهيوني عن المملكة كلاما شبه ناعم ليس فيه من الخشونة ما في كلامها عن إيران وحسن نصر الله والحوثي ، وهذا وحده كافٍ في صرف همم الذين لا يفقهون شيئاً من العرب إلى اتهام المملكة بممالأة اليهود ، واصطفافهم إلى جانب حزب اللات والحوثي البَعِيدَيْن كل البعد عن الكيد للصهاينة .
واليوم يعيش الغزاويون فرحا أعظم من فرح الأعياد بسبب توقف اليهود عن ضربهم ، ولازلنا نستمع إلى حماس تترنم بالنصر وتصور العسكر اليهودي وهم يتقهقرون مسافات محسوبة وكأنهم عائدون من فلسطين إلى دول أوروبا ؛ ونحن كنا نتمنى أن يكونوا منتصرين حقاً ، وانتصارهم الجزئي في رفض شعوب العالم حالياً لليهود وتظاهرهم ضدهم مكسب معنوي عظيم ، ولكن لن يُبنى عليه مكاسبُ مادية أبداً حتى نستفيد من أخطائنا الشنيعة ونبدأ بالعمل على خلافها .
والكلام الزائف في الثناء على ما حدث لا ينتج عنه إلا معانٍ زائفة أيضا ، ولن نستطيع أن ننتصر على اليهود إلا إذا عرفنا الأخطاء وما قَصَّرْنا فيه ،وإلا سنبقى نبني خطأ على خطأ حتى نسقط في هاوية سحيقة وهذا ما يُسعِدُ اليهود حقا.
فأول الأخطاء التي ارتُكِبَتْ هي سير حماس على غير وجهة سُنِّيَة في حربها للصهاينة ، ومطاوعتها لأصحاب عقيدة تعتقد أن المسجد الأقصى في السماء ، والقدس اليوم هو مسجد سليمان بن عبد الملك الأموي الذي يلعنونه ويلعنون فعله وقومه وكل شيء يتصل به ، وليس بينهم وبين الصهاينة عداء حقيقي ، وما نكبة الصهاينة لهم إلا على خلافٍ ليس منه فلسطين ، وقد حكيته في مقالات أخر .
وحماس حتى بعد إتمام المرحلة الأولى من هذا الصلح لم يستفيدوا عبرة مما جنوه ونرى رئيسهم خليل الحية يشكر أعداء الأمة العربية والإسلامية ومنهم اليمن والمسمى بحزب الله على ما تم ، وكأن الذي تم ،فيه إعمار وبناء ونصر مؤزر .
إذن فإن الدرس الأول الذي نستفيده هو أن فلسطين الذي ابتدأ فتحها أبو بكر وأتمه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما لن يُعَاد فتحها على يد من يسب الشيخين ويرميهما بالكفر.
ومن الدروس تكثيف الدعوة إلى الله وإلى توحيده وعبادته على وفق سنة رسوله صلى الله عليه وسلم والبعد عن الإلحاد فيه باللفظ أو العمل ، فذلك مفتاح كبير للنصر ؛ ولن ينصر الله الأمة الإسلامية قاطبة ، وليس فلسطين وحسب ،ما دامت تؤجِل الحديث عن الدعوة وتجعل لها رموزاً من اللادينيين ، وليس الرموز حَقِيقُون بأن يُسمو دينيين وهم يلجأون إلى طوائف لا تؤمن بالدين الذي نحن نؤمن به ، ولا تجعل الدعوة هي العمل السياسي الأول الذي يجب أن تعمل به.
فشعور الفلسطينين بأنهم جند لله داخل أرضه بكل ما تحمله الجندية لله عز وجل من معنى يقطع لهم مسافةً للنصر عظيمة ، دليلها قوله تعالى :(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ..) الآية فقد نجز وعد الله إذا نجز شرطه ، فلا بد ألَّا يكون سوق قائم للمعصية بأنواعها من رجال أو نساء ، وتكون سوق الطاعات والعبادات هي الرائجة بين عباد الله . ومن الدروس أيضا : طاعة العلماء الموفقين الذين عُرِفَ توفيقهم بكثرة ما مر بهم من مواقف في الفتن أثبتوا فيها أنهم غير متبعين لما يريده عوام الناس وغير مطيعين لجماعات وأحزاب ، وإنما يتبعون ما يظنون أنه مراد الله سواء أوافق الخلق أم عارضهم ، وذلك وَفْقَ القواعد الأصولية الصحيحة للاستنباط من الكتاب والسنة . وقد رأينا العالم الجليل سلمان الداية أصدر فتوى قبل أن تتفاقم الأمور كما حصل أصدر فتوى لا يجيز فيها مبادرة حماس في السابع من أكتوبر ، وليس هذا جبناً منه أو يحرض عليه ، بل منتهى الشجاعة أن يعارض ما أقدم عليه الناس وما أقدمت عليه القوة الضاربة في غزة ؛ ولو استمعوا إليه حينها لكان خيراً ، لكن الله قدر شيئاً في تقديره خير .
وبذلك ننتهي إلى أن مطاوعة السنة وأهلها ومفارقة أهل البدع ، وتكثيف الدعوة إلى الله واتباع أهل العلم هي من أوجه الصواب التي ندعوا إليها في غزة .












![بناء الشخصية السلفية في ظل المتغيرات[محاضرة مفرغة]](https://i2.wp.com/mail.mohamadalsaidi.com/wp-content/uploads/2020/06/EE3D1CE0-F756-4577-B03E-79D00D1B6105-e1591160555879.jpeg?fit=300%2C200&ssl=1)




![الثقافة بين الثوابت والمتغيرات [ورقة عمل]](https://i0.wp.com/mail.mohamadalsaidi.com/wp-content/uploads/2016/05/image-3-e1462922547584.jpeg?fit=300%2C300&ssl=1)
التعليقات