آخر الأخبار

الفاشر بين المسلمين
الفاشر بين المسلمين
حينما يهاجِمنا جيش من غير المسلمين سواء أكانوا يهودًا أم نصارى أم من أي صنف من أصناف المشركين فإننا لا نتعجب حينما يكثر العدوان بالقتل الذريع على المسلمين من غير العسكريين لعلمنا المسبق بسوء ما تضمره طواياهم على هذه الأمة ؛ فما حدث في غزة وإن كان عظيماً من حيث حجمه إلا أنه يقع ضمن سلسلة من المذابح التي قامت بها عصابات اليهود منذ عام ١٣٥٦هـ وحتى هذه الأيام في الضفة وفي قطاع غزة ؛ والفارق الوحيد هو العدد ، فبينما عَدَدُ بعضِ المذابح القديمة لا يزيد عن تعداد قرية واحدة ، يصل اليوم إلى مائة ألف قتيل ومثلهم من الجرحى والمعاقين .
ونجد مجازر النصارى ضد أهل القرى أضعاف هذا الحجم في الجزائر والمغرب والبوسنة والهرسك والعراق قديماً وحديثاً.
وحروب النصارى ضد بعضهم، حدث فيها كثير من ذلك في أثناء حرب السبعين في ألمانيا وحرب الثلاثين في فرنسا وحرب المائة عام في بريطانيا ، وفي الحربين العالميتين الأولى والثانية حيث قُتِل في الأولى ما يزيد على الخمسة عشر مليونا ، وقتل في الثانية ثلاثة أضعاف هذا العدد .
لا نستغرب أمثال هذه المذابح ، وإن جاؤوا بأسماء مثلها من المسلمين ضد النصارى ، وهيهات أن يجيئوا، فهي ردات فعل لطامةٍ سبقت منهم ضد المسلمين كما فعلوا في القدس سنة ٤٩٢هـ إذ قتلوا أهل المدينة كلهم كما يقول مؤرخوهم وكانت أكوام الرؤوس والأيدي والأرجل تُشاهد في الشوارع التي أوحلتها الدماء.
أما الذي نستغربه فهو أن يكون مثل هذا القتل وهذه النكاية العظيمة بين المسلمين وبعضهم ،وبشكل مريع تضعف غزة عنه ، ومن يقاتل في غزة هم اليهود ، أما الآن فنتحدث عن طرفي النزاع من المسلمين ؛وليس استغرابنا لعدم وقوعها بينهم، كلا فقد وقع في التاريخ أشياء من هذا القتل الشنيع بين المسلمين ، ولكنها أقل بكثير مما وقع للمسلمين على أيدي خصومهم ؛ ومن ذلك المقتلة التي أوقعها جيش سليم الأول بأهل القاهرة حين دخولها بعد معركة الريدانية ٩٢٢ هـ ؛ وقتل أهل الدرعية قاطبة سوى من هرب ، وحتى هؤلاء لم ينجوا من القتل ، إذ اجتمعوا من القرى التي هربوا إليها على وعد من أسماعيل آغا، وهو خَلَفُ إبراهيم باشا على نجد ؛ على أن يُعطيهم بطائق إلى أي قرية يختارونها ، ولكنه أضرم النار بهم رجالاً ونساء وأطفالاً حين اجتمعوا.
وحين نَجْرُدُ التاريخَ نجد أشياء من هذا قليل ، وأما الغالب فكان نكبات كثيرة وقتل بين الجيوش المسلمة ابتغاء مصالح دنيوية وليس لها غاية أخروية.
وفي هذا العصر تتكرر هذه الجرائم ونسمع بها في وقتها كأحداث الفاشر في دار فور بالسودان ، فقد نقلت وسائل التواصل الحديث طوام كبرى من قتل للمدنيين كبير ونهب واغتصاب ؛ وقد تبجح بعضهم وبعضهن بكل ذلك زاعمين أنها بلدهم وحقهم إلى آخر ما أفكوه أخزاهم الله .
فما هو سبب ذلك السوء الذي ينزل على عباد الله فيستبيحون كل ما حرم الله عليهم مما لا يرضون بعضه على أنفسهم وديارهم وزوجاتهم وبناتهم وأبنائهم ، وكيف صار ذلك في أنفس معروفة بالعزة والأنفة ومكارم الأخلاق ، كيف سقطت هكذا ودينها الإسلام الذي لا يخفى على أحد كيف يربي الناس وعلام يربيهم .
الذي أعتقده أن أول ما يفوت أولئك الرهط المجرمين هو نقاء العقيدة ، فهم لا يعرفون حقاً أنهم يعبدون إلهاً رحيماً عظيماً مُطَّلِعاً على كل ما يعملون ، يرصد كل شيء فعلوه في إمام مبين ؛ وقد تسأل أحدهم عن صفات ربه فيجيبك بصفات الله التي تعرفها لا تستنكر من قوله شيئاً ، لكن ليس له من ذلك إلا المعرفة المجردة ، أما أن تكون هذه المعرفة عن إيمان حقيقي فلا ؛ ولهذا انتقد أئمة علماء السلف من عرَّف الإيمان بأنه التصديق ، لأن التصديق المجرد بالله وبصفاته يشارك إبليس عليه لعنة الله فيه ؛ أما حقيقة الإيمان فهي قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح ؛ فحينما لا يكون العمل مُصَدِّقاً لما في الصدر فمعنى ذلك أنما في الصدر لم يَقِر فيه ، لأن ما وقر فيه يصدقه العمل ؛ فمن وقر في قلبه عالم الغيب والشهادة بات مراقباً لله في كل قوله وفعله ، ومن وقر في قلبه الرحمن الرحيم ، لم تزايله الرحمة قط في كل مكان يقع فيه، في سلم أو حرب، فهو رحيم إذا حارب رحيم إذا سالم؛ وهكذا قُل في كل صفة لله تعالى تمرّ بك ؛ وحين نشاهد المجرمين في الفاشر نجد أن هذه الصفات نُزِعت من قلوبهم وإن جرت بها ألسنتهم فكبروا وهللوا .
وثاني ما يفوت أولئك الرهط المجرمين : الصلة بالقرآن الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وقد يكون بينهم قراء للقرآن وحفظة له ، لكنها كقراءة الخوارج الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم يقرؤون القرآن لا يُجاوز حناجرهم ؛ والصلة بكتاب الله تعني أن يكون العبد ذا بصر بما فيه من الرحمة واليسر وحب الخير للناس ، قال الله تعالى ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اركَعوا وَاسجُدوا وَاعبُدوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ [الحج: ٧٧] فمن فهم الخير في الآية على وجهه الصحيح العام الذي لا يدخله أي مخصص لم يفعل ما فعل هؤلاء ولا شيئاً مما فعلوا ؛ وقوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ﴾ [النحل: ٩٠] فمن وعى نهي القرآن عن الفحشاء على عمومها الذي ليس له مخصص أبدا ، استنكر كل ما فعلوه ولم يأته.
أما الصلة بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهم بعيدون عنها لأنه لم يعمل شيئاً مما عملوه، والمراد وعي السنة وليس حفظ السيرة ، فقد يحفظون السيرة وحين تأتيهم بما اجتنبه رسول الله فيها يقومون بالتأويل كي يثبتوا أن سنته تؤكد ما فعلوا ، أما من وعى سنته صلى الله عليه وسلم فهو أن يأنف من أي تأويل يهدف إلى تسطيحها والزعم أنها تزكي ما يفعلونه من منكرات.
ومن بعد عن العقيدة الصحيحة واتباع الكتاب والسنة على وجههما كان فؤاده فارغاً يستطيع المغرضون غرس ما يريدون من أحقاد سواء أكانت بواعثها دينية مفتعلة أم إقليمية أم عنصرية ، ومن غُرست في قلبه الأحقاد كان سهما موجها في كف كل حقود يوجّهه ، ولا خير في رجل يَعُد نفسه سهماً لأحد إلا لله ورسوله حين يقول ذلك أهل العلم.
إذن فانحراف المسلمين في عقيدتهم عما تركنا عليه رسول ربنا ، واتخاذهم القرآن مهجوراً إما هجراً للفظه ومعناه ، وإما هجراً لمعناه ، وترك سيرة محمد صلى الله عليه وسلم ، إما تركاً كلياً أو تركاً بتأويلها ، كل ذلك هو سبب ما يقع فيه المسلمون من بلايا، أعاذنا الله وإياكم .













![بناء الشخصية السلفية في ظل المتغيرات[محاضرة مفرغة]](https://i2.wp.com/mail.mohamadalsaidi.com/wp-content/uploads/2020/06/EE3D1CE0-F756-4577-B03E-79D00D1B6105-e1591160555879.jpeg?fit=300%2C200&ssl=1)




![الثقافة بين الثوابت والمتغيرات [ورقة عمل]](https://i0.wp.com/mail.mohamadalsaidi.com/wp-content/uploads/2016/05/image-3-e1462922547584.jpeg?fit=300%2C300&ssl=1)
التعليقات