– الشباب المنتكس حينما يعتذر لسوريا

تكبير الخط تصغير الخط

الشباب المنتكس حينما يعتذر لسوريا

حينما كانت الثورة السورية قائمة ، كان الموقف السلفي منها واضحاً جداً ، وهو تأييد أصل الثورة ،لاسيما بعد سفك الدماء الذي قام به النظام مبكراً ، وعدم تأييد الخروج من بلادنا لمناصرتها وذلك لعدم وضوح الراية فيها ،وعدم حاجة السوريين إلى من يقاتل معهم ، وعدم إذن ولي الأمر بذلك لأسباب صحيحة وشرعية .

هكذا كان الأمر ، إلا أن أناساً ليسو من أهل العلم ، وإن كانوا في أصلهم من أصحاب المنهج السلفي ، لم ينصاعوا لهذه الضوابط ، وعدوها كلاماً فارغاً وتعبيراً عن جبن العلماء وطاعتهم العمياء لمن يحسبون أنهم أولياء أمور ،ذلك حسب ما كانوا يقولون . 

تبين اليوم لكل ذي عينين صحة ما كان يقول به كبار علماء الشريعة السعوديون ، وجاء انتصار الثورة السورية براية واحدة بعد أن كانت عشرات الرايات المتحاربة فيما بينها ، وهذه الراية الواحدة لم تكن لتنتصر إلَّا بعد أن كونت لنفسها ما يشبه الدولة أكثر من أربع سنوات في إدلب، ومارست في داخلها ما تمارسه الدول تجاه مواطنيها ، وعرفت حقوق المواطن وواجبات الدولة تجاهه ، كما تبرأت من التكفير العام الذي مارسته هي قبل أن تتكون دويلتها في إدلب ، كما تخلت عن كل الجماعات التي تفعل ذلك ، وتخلت عن اسمها القديم الذي كانت تمارس تحته صنوفاً من الأخطاء التي ابتعدت الأن عنها . كما أنها وهي بعد في دويلتها ولم تأخذ الحكم في سوريا، عرفت موقعها من العالم وحاجتها إليه ، وابتعدت عن التفكير الضيق الذي لا يجعلها في مواجهة نظام الأسد وحده، بل يجعلها في مواجهة العالم كله ، وعندي ـ ولست على يقين ـ أنه حصل بينها وبين دول عالمية شيء من التفاهم الذي أدى أيضا إلى شيء من تقدير المواقف ، كما أدى إلى هذا الانتصار السريع الذي رآه العالم . 

وأصبحت الدولة السورية بعد نجاح ثورتها    بين أمرين ، إما أن تعمل بالإسلام كله أولَه وآخرَه ، فتطبق الحدود والتعزيرات كاملة ، وتمنع الربا ، وتزيل أماكن الدعارة بالكامل ، الظاهر منها والباطن ، وتشرف على تطبيق الحجاب ، وتخصص المناصب والولايات في أهل الديانة والتقوى ، ولا توالى دول الخارج إلا من أقر بما تقوم به من أعمال ، وتمنع المهرجانات والملتقيات التي يظهر فيها السفور والخروج عن التقاليد الإسلامية .. إلى آخر ما هنالك .  

وإما ـ وهو الأمر الآخر ـ أن تطبق من أحكام الإسلام ما يمكن تطبيقه فتنظر إلى السياسة في هذا الأمر ،وتبقي الأمور كما كانت وتأخذ في الإصلاح برفق ، فالحدود تبقى حتى يستقر أمر الدولة ، والحكم في الربا حتى يستقر أمر الناس ، وأماكن الدعارة ليس فيها شيء ظاهراً ، والحض على الصلاة والصيام والفرائض سوف يلغيها بإذن الله تماماً ، أما الحجاب فيحض عليه ويُصْلَحَ الناس حتى يعملوا به من تلقاء أنفسهم ، وأما المناصب والولايات فلا بد أن يرضي الناس ولا بد من إرضائهم في الاختيار ، وقد يكون من ليس من أهل الصلاح في الظاهر من أصلح الناس في الولايات ، وكذلك الأمر في العلاقات مع دول العالم ، فسوريا دولة في وسط العالم وليس من العقل أن تعادي الجميع ، بل العقل كل العقل أن تعاقدهم وتعاهدهم كي يعاقدوها ويعاهدوها .  

والخيار الثاني هو ما فعلته دولة سوريا ، ولا أشك أن الحق والصواب في غالب ما يفعلونه. 

وأقول :في غالب ما يفعلونه ، لأني أرى وأسمع بعض ما هو موجود الآن في سوريا وأتمنى ألَّا يكون ، وفي مقدور الحكومة السورية إزالته ،حسب ما أراه وأنا هنا بعيد عنهم ، وربما لو قَرُبت لعذرتهم ، وعلى أي حال فسوريا الآن وهي مع الحكومة الحالية خير ألف مرة مما كانت عليه ، نسأل الله لها دوام ذلك والزيادة عليه . 

والإسلام حقيقةً يأمر بإصلاح الواقع ولا يأمر بالثورة على الواقع ، هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في واقع شديد الانصراف عن أمر الله عز وجل بمكة ، وهكذا فعل في المدينة ، وليس المجال مجال الاستدلال على هذا ، فالأكثرون يعرفون ذلك ، ولم تأت الثورة على الواقع إلا بمطامع الدنيا وركوب الدين لأجلها ، بدءاً بمعركة الحرة ، وانتهاءً بموقعة السُبَلَة القريبة ، فإصلاح الواقع أمر لا يخفى على ذي لب ، وأخص من جربوا الثورة على الواقع وكيف أنها لا تأتي إلا بالثمار المرة التي تخوف منها الثائرون . 

وقد أثنى على الواقع السوري في وقته الحاضر بعض من الآن داخل سوريا ، وقد وفدوا عليها مجاهدين بزعمهم ،وكانوا يريدون الشر ببلادهم الأصل ،وبعضهم ممن هو مواطن سعودي وسافر مخالفاً لنهي الدولة إلى موطن النزاع في سوريا ، وليتهم سكتوا ، لكنهم أخذوا بوصف بلادهم بأوصاف لا تكون إلا ممن يؤلب عليها ويرجو لها الخراب .

واليوم نرى هؤلاء يثنون على الرئيس الشرع ويؤيدون كل ما يفعله ، أو تفعله حكومته معه ، وكثير مما يبررونه أشياء تخالف الإسلام ظاهراً ، وينتقدون أقل منها في بلادهم ،ولكنهم يجدون للرئيس الشرع وحكومته الأعذار بفعلها ، وهم محقون في ذلك ، لكن أليست بلادهم أحق بذلك التبرير ، وأحق بهذا الصبر وأحق بتلك الأعذار؟  

 الجواب : بلى ، هي أولى بهذه كله ، لاسيما وحكومة سوريا قامت في الظاهر على أكتاف جيش إسلامي سلفي في غالبه ، والشعب السوري في غالبه متعاطف مع هذا الجيش في كل ما ينادي به ، فهم أولى بأن لا يعذروا حسب فكر هؤلاء الشباب من تلك الدول القائمة والتي رُوِّجت فيها وبين شعوبها أفكار الغرب بشكل مُريب ، وتتوالى عليها الضغوط من كل جانب كي تعمل بالأفكار الغربية ؛ ضغوطاً اقتصادية وضغوطاً عسكرية ، وضغوطاً في العلاقات الدولية ، بل ويُسْهِم العرب في شيء منها ، وذلك بتلبية ما يُطلب من بعضهم إما غربياً أو شرقياً من منازعات في بعض المواقع التي تثور حينما نجد مصلحة للشرق أو الغرب أو للكيان الصهيوني في إثارتها. 

نعم الكيان الصهيوني الذي نرى البلاد العربية جميعها تتسابق على التطبيع معه دون شروط ، ونرى تركيا وهي ذات جوار وتاريخ ومصالح مشتركة مع العرب صاحبة علاقات وطيدة مع الكيان الصهيوني ، لكنها تُحْسَبُ لدى أولئك الشباب المهووس ومنظروه الكهول الكُمْهُ دولةً قُدوةً في كل شيء .

نحن نتحدث الآن عن الرئيس الشرع ، وما يعانيه ،وما يجب أن يعلمه أولئك الشباب عن بلادهم . 

فالمملكة العربية السعودية ، وهي على سبيل المثال ، دولة إسلامية تنفق المليارات في خدمة الحرمين الشريفين وزائريهما ، وترفع كلمة التوحيد ، وتمنع شعارات الأديان الأخرى من الوجود داخلها ، وتَحُول دون الابتداع في الدين ، وقضاؤها إسلامي شرعي يقيم الحدود ويمنع التعدي على الشريعة الإسلامية . 

كما أنها تسعى بشكل جاد وقوي وسريع إلى أن تكون دولة منتجة عالمياً ، فبدايةً بالطائرات  المسيرة والسيارات الكهربائية والبترولية والسفن والذكاء الاصطناعي والشرائح الإلكترونية ، وانتهاء بكل شيء يخطر أو لا يخطر في البال ، نجد أنها تعمل في صناعته . 

هذا بالإضافة إلى صحة المواطن وتعليمه ورفاهيته وأشياء أخر أكثر مما ذكرنا . 

فلماذا يقدم أولئك الشباب هذه الأعذار ويقومون بهذا التودد  للرئيس الشرع وحكومته ولا يقدمونها لبلادنا . شيء عجيب يدل على  أخطاء في التربية ، ولا يبدو في الوقت الحاضر العمل على معالجتها بشكل صحيح نسأل الله الصواب في كل شيء

التعليقات

رد واحد على “– الشباب المنتكس حينما يعتذر لسوريا”

  1. يقول العبد الفقير أكرم الكلدي أبو جمال إندونيسيا - جوكجاكرتا.:

    شكراً فضيلة الشيخ الدكتور محمد السعيدي على هذا المقال المتميز بالتوازن كعادتك.
    وأجمل عبارات المقال هي قولك: وأقول :في غالب ما يفعلونه ، لأني أرى وأسمع بعض ما هو موجود الآن في سوريا وأتمنى ألَّا يكون ، وفي مقدور الحكومة السورية إزالته ،حسب ما أراه وأنا هنا بعيد عنهم ، وربما لو قَرُبت لعذرتهم ، وعلى أي حال فسوريا الآن وهي مع الحكومة الحالية خير ألف مرة مما كانت عليه ، نسأل الله لها دوام ذلك والزيادة عليه .
    تعليقي:
    هنيئا لك فضيلة الشيخ الدكتور محمد السعيدي الكاتب الباحث المتألق المتميز بهذه الدقة المتوازنة في لفت الأنظار إلى قضية الأعذار لتصرف الحكومات العربية مع الغرب خصوصا الحكومات التي تقدم لشعوبها خدمات العيش الرغيد، وهذا مبدأ أصيل أي: الأعذار لكونه يجنب الشباب المتهور أثمان استعجال الخروج على الحكومات والحاكم، إلا أذا ارتكب الحاكم وحكومته استدعاء الكفر لنصرته على شعبه وسفك دمائهم كحال الأسد، فهنا الثورة في أصلها حق مشروع للتخلص من سفك الدماء واخراج الكفار من الوطن، ويبقى ما بعد الأصل المشروع في حق الشعوب قيام ثورتهم لردع سافكي دمائهم وسائله وطرق نجاحه تختلف بحسب قادة الرايات والميدان، فمنهم من يختار الهجرة والفرار إلى مناطق آمنة سواء في بلده كحال ادلب أو مناطق خارج بلده كحال بعض العناصر المتدربين خارج سوريا في تركيا،
    خلاصته:
    الإعذار للحاكم وحكومته أصل عظيم يجنب الشباب والشعوب مخاطر التهور بالثورات.

    قيام الثورات لا ينبغي قيامها بمجرد ضياع بعض الحقوق على فرد أو جماعة، بل ينبغي قيامها على أصل عظيم كحفظ ضروريات الحياة إذا اعتدى عليها الحاكم عمداً وعدواناً وجماعياً كالقتل الجماعي للشعب.

    الأصل في أخطاء الحاكم الإصلاح وليس الثورات لكون الخطأ واقع من البشر، وخطابات الحوار والتشاور والتناصح هي ثاني أصل تبدأ به الشعوب بعد الدعاء واستقامة الاحوال.
    والعلم الصواب عند الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.