لماذا الشيخ صالح الفوزان

تكبير الخط تصغير الخط

لماذا الشيخ صالح الفوزان

نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا ، كما نسأله أن يغفر للشيخ الدكتور عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة السابق ، ثم نسأله أن يمتعنا وينفعنا بسماحة المفتي معالي الشيخ الدكتور صالح الفوزان .

وقد كان لتعيينه في هذه المسؤلية ، ولا أقول : هذا المنصب ، معنىً تلقيته فور سماعي  الخبر  ، وأظنني أصبت في ذلك ولله الحمد .

وهو أن سمو ولي العهد هو من اختاره، حفظه الله ، ومن المعلوم لدى الجميع أن الشيخ صالح الفوزان من المعروفين بثباتهم على أصول الدعوة السلفية وفروعها ، كما هو ثابت على محبة شيخ الإسلام بن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب؛  ولم نسمع عن الشيخ في مقال كتبه أو خطبة قالها : أنه خالف ذلك في يوم من أيام عمره ، وكانت ردوده متواصلة على كل من يكتب معاديا أو منتقداً لشيء من ذلك داخل المملكة أو خارجها . 

واختيار رجل مثله يؤكد أن الدولة بحمد الله ماضية على المنهج السلفي الذي قامت عليه ، لا سيما وأن الشيخ صالح الفوزان قد اختير رئيساً لهيئة كبار العلماء ؛ وهي الجهة التي يسألها ولي الأمر فيما يتعلق بأمور الدولة ؛ فالحمد لله حمداً كثيراً على ذلك والشكر له كما يحب ربنا ويرضى ؛ فإن اعتقادنا بأن هذا سبب عز ألدولة حينما قامت، فلم يكن إلا بسبب اعتقادها هذا المنهج ، ونحن نرى دولاً أخرى أقيمت ، أي أقامها عدوها ، ولم تقم بأبنائها كما هو حال دولتنا التي قال فيها الشاعر عبد الله اللويحان ، وهو من شعراء الملك المؤسس ، يقول من الشعر العامي :

ما اخذنا الحكم بكتاب او ورق من مجلس النواب 

ولا جانا بسلك الغدر والحيلة والاكذابِ

أخذنا الحكم بالاسلام والملة وقطع ارقاب

معارك مظلمة فيها ترى الشبان شيابِ

يقولون الرجال اهل المعرفة لا ذبحت الداب 

إلا منك قطعت الراس ما هاشنَّ الاذنابِ

وقد قال رحمه الله حقا ، فلم تقم الدولة إلا بمعارك من أجل إقامة الدين على نهج السلف الصالح ، وهذا ما هي مستمرة بعون الله عليه . 

وما نشاهده من خروجات عن المنهج السلفي لا يوجد في القيادة مُصدِرٌ له ، ولا حاضاً أو محرضاً عليه ، وإنما وجوده بأسباب أخر ؛ منها تقصير الناس ، وعدم أخذهم المنهج كما ينبغي قولاً وعملا، ولهذا نسأله تعالى أن يصلح المجتمع كما أصلح حكامه .

والشيخ حفظه الله من أعظم من تسلط عليه أعداء الدين من جهة ، وأدعياء الدين من جهة أخرى ؛ وأعداء الدين وإن هان علينا أمرهم ، فلهم ثِقَلُهم في تكوين صورة عن الشخص عند الناس ، فهؤلاء أطالوا القدح في عقل الشيخ وفهمه لا لشيء إلا لكونه يقول بتعاليم الدين الحق التي لم يعرفوها، كإخلاص التوحيد لله ، وتجريد الأنبياء والصحابة وآل البيت والصالحين من أن يُتَّخذوا أنداداً من دون الله ، والأمر بجميع ما أمر به الله تعالى وما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم ،والنهي عما نهيا عنه . 

أما أدعياء الدين فمنهم ، التكفيريون الذين وقف الشيخ كالجبل في وجوههم ، حين كفروا الحكام والعاملين معهم من الناس والمؤيدين لبقائهم ؛ ومنهم التخريبيون الذين جعلوا من الدين آلة لإفساد البلاد والعباد ؛ ومنهم الحزبيون الذين كانوا مثل من فرقوا دينهم وكانوا شيعا.

ومنهم من ادعى الجهاد ، وحرض عليه في غير مكانه ومن هم من غير من وجب عليه  ؛ وقد كتبت عمَّن وصفوا الشيخ بالمفتون من أجل نهية عن ذهاب الشباب إلى مواطن القتال مقالا قبل أحد عشر عاما أنقل منه ما يلي :

 “حملةٌ كهذه وُجِّهت للشيخ صالح الفوزان بقيةِ العلماء ومقدم الصلحاء والمشار إليه بالبنان في فنون العلم ومعارف الفضلاء ، وكانت هذه الآية ( ألا في الفتنة سقطوا) في صدر كل تعليق على موقف الشيخ حفظه الله من ذهاب شباب بلادنا إلى سوريا للمشاركة في جهاد نظامها الطاغوتي الأسدي ، حيث برر الشيخ منعه من ذلك بأنه لا يُذهب إلى بلاد الفتنة.

ولم تلبث الأيام والليالي أن تتالت حتى تجلى لكل منصف صدق الشيخ ونفاذ بصيرته ، فهاهم أبناؤنا الذين تركوا الآباء والأمهات ليقاتلوا الأعداء البغضاء يحملون بنادقهم يقاتلون فيها من زعموا أنهم جاءوا لتحريرهم والدفاع عنهم، بل ظهر عنهم من أنباء الشناعة أنهم يرفعون البنادق في وجوه بعضهم، فمنهم من وضع نفسه فيما يعرف بالدولة وآخرون في جبهة النصرة وقليلون في غيرها وغيرها .

أي فتنة أكبر من أن يجد المسلم نفسه يقاتل مسلماً آخر في قضية خاسرة ، أي فتنة أكبر من أن يدير المسلم ظهره للعدو ليقتل أخاه ، أي فتنة أكبر من أن يفارق الشاب جماعته ويكلم قلبي والديه بزعم جهاد الأعداء ثم يَقْتُل مسلماً أو يُقْتَل ببندقية مسلم .

سيقولون هو قتلٌ بتأويل أوقتلٌ بشبهةٍ أوقتلٌ للبغاة أو دفعٌ للصائلين ، ويجِدُون أويُوجِدُ لهم شياطين الإنس عشرات الذرائع الخادعة حتى لا يشعر أحدهم ولو بشئٍ من الأسى على دم أخيه الذي سُفِك بيديه ، وحتى يجد ما يُسَوِّغُ له مكان رصاصته من قلب أخيه .

إنه حقاً زيغ القلوب وابتغاء الفتنة الذي أخبر عنه الحق سبحانه وتعالى (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله).

أي فتنة أعظم من ذلك ؟

أعظم من ذلك أن يشرب الشاب من هناك استرخاص الدماء والقتل بأهون تأويل ، وتكفيرَ الدول وتكفيرَ المجتمعات إلى أن يتصل أحدهم من حلب بأهله في المملكة العربية السعودية ليخبرهم أنه قادم مع كتائب الحق بزعمه ليحرر جزيرة العرب من اليهود والطواغيت ، وكأن أهله مقيمون في تل أبيب أو القدس أو حيفا أو الناصرة ، ويتصل آخر بأخيه ليرسل معه رسالة إلى خاله يتوعده بأن رأسه هو أول رأس سوف يُدَحْرِجُه حين يقدم فاتحا هو والرايات السود، وكأن خاله حارساً شخصياً لبنيامين نتنياهو أو إيهود باراك.

نعم لقد صدق الشيخ حفظه الله وبر وعلم بما علمه الله وببصيرته ما لم يعلمه من تداعوا ليفسدوا على الناس نصيحته كما تتداعى الذباب لتفسد الطعام على آكليه .

في مثل الموقف الذي وقفه الشيخ صالح الفوزان يظهر أهل العلم الربانيون الذين لا تُرهبهم سطوة الجماهير وصولتها عن قول الحق في مكانه وأوانه. 

لم يكن الشيخ حفظه الله منكراً لأصل الجهاد  حاشاه ذلك ولا منكراً حق السوريين الآن في دفع من صال عليهم من جيش النصيرية الكافرين ، لكنه يُنكِرُ أن يُغلب أهل سوريا على جهادهم ويدخل فيه من لا علم له به ، في وقتٍ يعلم المبصرون أن سوريا أصبحت مرتعاً لشتى جهات الاستخبارات تفعل فيها ما تريد ، والشاب الغِر بل الكبير الأغر لا علم لهم بمكايد المخابرات العالمية وكيف تُدير خُدعها وتُجند أعداءها ليعملوا في خدمة مشاريعها ، فيظنون أن كل من لبس العمامة صار شيخاً ، وكل من أرسل لحيته صار ورِعَاً دَيِّنا، فيتقاطرون لينضموا إلى فصائل أنشأتها المخابرات أو اخترقتها ، ليصبحوا أدوات في مشاريعها، وهذا كله ما حصل .

فمن الذي سقط في الفتنة إذاً ، هل هو الشيخ الذي علم أن أهل البلاد أعرف بشعابها وما يصلحها ، وأن الوافدين عليها سيكونون شراً في مثل تلك الأجواء وإن راموا في عزائمهم أن يكونوا خيراً لها .

أم الذي سقط في الفتنة من جرّأ الشباب على العلماء وحط من مكانتهم عندهم وأوهمهم أن الواقع نوع من المعرفة فوق مستوى هؤلاء المشايخ الذين لاهم لهم إلا جمع الكلمة ولزوم الجماعة وطاعة السلاطين ، حتى أصبح قول العالم في نفوس الشباب لا يساوي عندهم نكات المهرجين ، يسمعونه فيضحكون مستخفين أو يعرضون ساخرين .

أم الذي سقط في الفتنة من حَرَمَ الأمةَ بكثرة استخفافه بأهل العلم من أن يكون العلماء قادة المجتمعات يوجهونها فيما يُرضي الله ويصلح الدنيا والآخرة .

نعم حَرَمُوا الأمة من العلماء لأنهم اوهموا الشباب بأن العالم لا يكون للأمة حتى يكون تابعاً لها وليس ناصحا ، وحين يقف العالِم في موقف الناصح المحذر من الفتن التي يعرفها العلماء حين تُقْبِل ويعرفها الغوغاء بعدما تفعل بالناس من الشر فعلها ، حين يقف العالم هناك يقولون له ما قاله الله في المنافقين {ألا في الفتنة سقطوا} .

أم الذي سقط في الفتنة هم من هوَّن في أنفسِ الناس أوامر رسول الله صلى الله عليه ونواهيه في السمع والطاعة في غير معصية وصوروها على أنها تشريع للاستبداد وإقرار للظلم ، فاستهان الكثيرون بسبب هذا التلبيس بواجب الطاعة فتفلت الشباب من آبائهم وأهليهم نافرين إلى معركة لم يُدْعَو إليها وكان حضورهم فيها شراً وأضحوا فيها أدوات تتحرك في ضرب الثورة وتشويه الجهاد وتأخير النصر.

حفظ الله الشيخ وكثَّر في الأمة من أمثاله وأعاذنا من الرؤوس الجهال الذين أخبر عنهم المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله عن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا))؛ متفق عليه” أ. هـ.

هذا هو الشيخ الذي يحتاج إليه المنصب ولا يحتاج هو للمنصب

    

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.