آخر الأخبار

السنة والسيد البدوي
السنة والسيد البدوي.
خرافة السيد البدوي لها في مصر ثمانمائة سنة وهي في كل عام تترسخ بشكل أكبر من السابق .
ورغم جهاد المماليك للنصارى الصليبيين والمغول ، ورغم النهضة العلمية في زمانهم إلا أن التصوف الغالي كان شائعاً بشكل كبير بين الحكام وهم المماليك الذين يندر أن يوجدوا كمريدين لشيخ من المشايخ الصوفية ،لكنهم كانوا يبالغون في الاعتقاد بأحد الشيوخ فيتولون الاستجابة له والحماية له من أن يُتعرض له ، كما كانوا يحمون بجاههم طائفته ومريديه ، فالحضرات الصوفية لم تكن تتناسب مع جندي صغير أو كبير من همه الدنيا والحروب والاغتيالات ، لكنها تتناسب معه من حيث كون الشيخ في اعتقاده ولياً يدعو فيستجاب له ، ويُدعى فيستجيب ولو كان ذلك عن بعد وغيبة عن الداعي ، وكذلك تتحقق له كرامات يكون هذا العسكري أول مستفيد منها ، وبالطبع كانت الأشياء تحدث فيؤولها هذا الشيخ على أنها كرامة من عند الله لوجاهة الشيخ .
في هذه الأجواء ظهرت أسطورة السيد البدوي المتوفى سنة ٦٧٥هـ ، ولم يكن وحده في هذه الأجواء ، بل كان الشيخ أبو السعود الجارحي ٦٤٤هـ والشيخ إبراهيم الدسوقي ٦٧٦هـ ، وغيرهم.
ويُذكر أنه لما سقطت الدولة الفاطمية سنة ٥٦٧هـ رأت الدعوة الباطنية أن تجند من هؤلاء ليقوموا عن طريق السنة بتشييع الناس ، وبالفعل كان هؤلاء مندوبين أكفاء لمثل هذا الأمر فقد جعلوا مريديهم باطنية في حقيقتهم مع احتفاظهم بلقب السنية ، وهذا أدعى إلى انحراف المجتمع المصري بهم ،وانجذابه إليهم.
لكن على رغم نجاح هذه الطريقة جزئياً إلا أنها لم تستطع حرف المجتمع كليا عن طريقته المُثلى ، فما إن جاء آل سعود ومن معهم من آل الشيخ إلى القاهرة سنة ١٢٣٣ هـ وسُمِح لهم بالتجول داخل القاهرة ، وأُذن بالتدريس لطلبة العلم منهم في رُواق الحنابلة حتى بدأت ظواهر كثيرة تبدوا في الأزهر وفي المجتمع المصري حول إنكار كثير من البدع ، وعودة الأزهر في فتاواه إلى ما يوافق الشريعة حقاً ، وذلك كفتاوى متناثرة عن عدد من الأزهريين بتحريم الاستغاثة ، وتحريم آلات الزمر في الدعاء ، وجاء محمد عبده وصرح بذلك بشدة ووافقه عليه الكثيرون ، ثم انتشر الفهم السلفي في جميع أنحاء مصر بشدة ، ،مع ذلك ضلت الموالد سواءً للبدوي أو غيره ممن تُدعى لهم الولاية رائجة ، ويبدوا أن سبب رواجها مادي محض إذ إنها تُعَدُّ سوقاً وموسماً لكثير من البضائع المباحة ويروج فيها بعض البضائع المحرمة ، والشعوذات والرقصات ، كما توجد بها الأطعمة ربما المجانية ، فكان هذا سبباً لرواجها .
ولم تجد السلطات المصرية سبباً لإيقافها ، ومما قالوه عنها : إنها إلفٌ للمجتمعات المصرية ومن الصعب القضاء عليها ، كما أنها تُشَكِّلُ أحد المعالم السياحية التي تلفت الأنظار ، ويجد السائح الأوربي فيها شيئاً جميلاً .
و لكننا لم نُشاهد قبل هذا العام مولداً حضرته شخصيات تسمى علمية كبرى ورسمية أيضاً كالمولد البدوي لهذا العام ، وكثر الحديث في مصر عن جواز هذا المولد أو عدم جوازه ، وكلا الفريقين يتقدمون بأدلة قديمة قدمها سلف هؤلاء وسلف هؤلاء ، لكننا لا نجد في مزاعم المجيزين لفظاً أو عملاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو صحابته أو تابعيه أو تابعيهم أو تابعيهم تدل على شيء يمكن أن يُتكأ عليه في الاستدلال ،ولهذا نجد من رُزِق علماً وفيراً يتضاءل عقله كثيراً حينما يستدل لهذا المولد البدوي ، أو يستدل للاستغاثة بغير الله ، فهو ينتقل في لحظة إلى أحد الباطنية الذين أُخِذ عليهم ترك الظواهر والاستدلال بالبواطن ، وهو خلاف المنهج المعروف لأهل السنة والجماعة ، مما يعني نجاح شيوخ الباطنية في ادعائهم التسنن حين تمشيخوا على أبناء السنة .
والحقيقة : أن هذه الظواهر لا تصح في مجتمعٍ مسلم ، ومن شاهد الصور الصحيحة والتي لا يمكن تكذيبها عن هذا المولد يَعلم أنها لا تُمثل الإسلام أبداً ، وأنها صورة مما يحدث في مشهد وقم والنجف وكربلاء ، لأفرق بينها مما يؤكد نجاح مؤسسيها في عملهم المقصود ، وإن لم يكن ولله الحمد نجاحاً كبيراً كما تخيلوا ، بل نجاح صغير جداً إذا ما قورن بما كانوا يُريدونه ، إذ لم تنشأ دولة باطنية بعد الدولة المندثرة ، ولم يصبح المذهب الباطني مذهباً مصرياً .
ولم يبق اليوم إلا أن تهدم هذه الأماكن التي يزعم تسميتها مساجد كمسجد البدوي الذي أقامه فيما أعلم علي بيك الكبير في حدود ١١٨٢هـ وهو كما يعلم الجميع ابن قسيس نصراني تركي تولى حكم مصر كما يتولاها المماليك ، وأراد أن يخضع الناس بأشكال متعددة ، ومنها هذا الشكل ، أي بناء الأماكن الصوفية التي تلهي الناس عن مسائل الحكم .
وغير خافٍ أن جميع ما يُعرف بالمساجد على القبور كان الدافع السياسي هو الأول في بنائها ، فمثلاً جامع إبراهيم الدسوقي بناه سمة ١٢٧٧ إسماعيل بن إيواظ حاكم دسوق وبدوافع لا تختلف كثيراً عن دوافع علي بيك ، وهكذا جميع ما يسمى مساجد عند التتبع التاريخيّ.
فهدمهن هو الأولى والأقطع للفتنة وأحيا لقلوب الناس ؛ كما فعلت الدولة السعودية في طورها الأول وفي طورها الثالث حينما هدمت الضرائح وخلصت العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ؛ وعندي : أن تلك الضرائح لو لم تجد حاكماً مؤمناً كالإمام سعود وكالملك عبد العزيز ،لكانت الذرائع نفسها التي يُتَذَرَّع بها اليوم للضرائح والمشاهد المصرية ، وعليه فإن وقفة قوية يعز الله بها الإسلام وتقطع الشر من جذوره ، وتغيظ الشيطان وأتباعه هي الأولى بالحاكم الذي يريد إعزاز الأمة وتحرير مواطنيه .
فليست الحرية هي أن يقول كلٌ ما يشاء ولو كان غضباً لله عز وجل ، بل الحرية الحقة هي محض العبودية للواحد الأحد خالصة له من دون شريك يعبد أو شريك يُسأل ويُدعى .
والله بصيرٌ بالعباد












![بناء الشخصية السلفية في ظل المتغيرات[محاضرة مفرغة]](https://i2.wp.com/mail.mohamadalsaidi.com/wp-content/uploads/2020/06/EE3D1CE0-F756-4577-B03E-79D00D1B6105-e1591160555879.jpeg?fit=300%2C200&ssl=1)




![الثقافة بين الثوابت والمتغيرات [ورقة عمل]](https://i0.wp.com/mail.mohamadalsaidi.com/wp-content/uploads/2016/05/image-3-e1462922547584.jpeg?fit=300%2C300&ssl=1)
التعليقات