السلفيون والإلحاد

تكبير الخط تصغير الخط

السلفيون والإلحاد

البعض قد يفهم الأوضاع الحالية للمسلمين فهما معكوساً وذلك فيما يتعلق بأحوال النصر والهزيمة إذ لا شك أن المسلمين بشكل عام يقعون في الجانب المنهزم ، سواء أكان ذلك في حرب مباشرة كحربنا مع اليهود في غزة وفي الضفة الغربية ،بل وفي فلسطين عموما ، أو كان في حرب غير مباشرة كالحرب الاقتصادية والثقافية والتعليمية بين المسلمين عموماً ودول الغرب وفي مقدمتها ألولايات المتحدة الأمريكية ؛ نعم :المسلمون هم المنهزمون في تلك الحروب ، ولا يعني ذلك أنهم هم الأمة الوحيدة المهزومة أمام الطوفان الغربي ؛ بل إن كل أمم الأرض منهزمة كذلك ، منها ما هو نصراني ومنها ما هو وثني ؛ وهم كلهم تابعون للثقافة الغربية والتعليم الغربي والاقتصاد الغربي  ؛ ولا توجد أمة خارجة عن هذا المسار حتى الصين واليابان التان تدينان بالوثنية وتتفوقان علي سائر الدول في أشياء كثيرة جداً ، ولدى الصين صوت قوي وتنكنولوجيا تقارع بها الولايات المتحدة ، إلا أنك عند التأمل تجد أنها دولة تحاول العلو والانتصار العسكري والتجاري إلا أنها لا زالت في اقتصادها وفي ثقافتها المستحدثة حتى الآن لم تفعل شيئا؛ بل هي جارية على النمط الغربي.  

وهناك موجة إلحاد في العالم لها منظروها ودعاتها ، ولنتائجها إحصاءات عالمية ،لكنها في عالمنا الإسلامي لا يوجد لها ما يبين عدد الملحدين أو نسبتهم إلى غيرهم ، لكننا لا نشك في وجودها وفي تحقق نتائجها قَلَّت أو كثُرت .

لكن الغريب هو ما قرأته في إحدى المقالات أن خمسين في المأة ٥٠٪ من السلفيين والإخوان المسلمين قد صاروا ملحدين بسبب عدم تحقق مطالبهم الدينية وانتصار أعدائهم عليهم ،في فلسطين وفي رابعة العدوية ،وذلك برغم ما جاء من وعدٍ في القرآن الكريم للذين آمنوا وعملوا الصالحات بالنصر والتمكين في أكثر من موضع في كتاب الله ؛ ويستند هذا المقال إلى بحث علمي أجرته إحدى الباحثات ، ولم يتيسر لي الرجوع إليه ، مع أنني أقطع بعدم صحة النتائج التي توصل إليها ، وأجزم بوجود خطأ إما في قراءة كاتب المقالة للبحث أو خطأ في منهجية البحث ، ولا يمكن أن تكون النتيجة صحيحة أبدا. 

ومع نقدي الشديد والسابق واللاحق للإخوان إلا أن الأمر لا يصل بي إلى هذا المنزلق في اتهامهم بالإلحاد ؛ ومع ذلك سأجعل هذا المقال خاصاً بنفي هذه التهمة عن السلفيين .

فالسلفيون يؤمنون إيمانا كاملاً صحيحاً بأننا في آخر الزمان ، وهو عصر يشهد علواً وصفه الله بأنه كبير لليهود ، إذ يقول جل جلاله ﴿وَقَضَينا إلى بَني إِسرائيلَ فِي الكِتابِ لَتُفسِدُنَّ فِي الأَرضِ مَرَّتَينِ وَلَتَعلُنَّ عُلُوًّا كَبيرًا﴾ [الإسراء: ٤] والعلو الكبير الذي يشهده العالم بأسره أَقَلُّهُ في فلسطين ، وليس أكثره هناك ، بل قد ذكر كثيرون أن الصين واليابان يدخل اليهود في كثير من شركاتهما لتكونان هما أيضا خادمتان للعلو اليهودي وليس دول الغرب فقط.

كما أن السلفي يعلم أن انتصار المسلمين على الكافرين لا يكون إلا بمراجعة الدين ، فالله تعالى يقول:﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدامَكُم﴾ [محمد: ٧]  ونصر الله تعالى أعم من أن يكون بالسيف ، بل إن إقامة الدين في الأنفس وفي الحياة بشكل عام أول ما ينصر به الله ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله ، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم ) رواه أبوا داود ، والمسلمون لا يتبايعون بالعينة وحسب ، بل يتعاطون الربا الصراح ويشيع بينهم ما هو أعظم من الربا والكبائر كلها ،ألا وهو الإشراك بالله ، وذلك بسؤال غيره مالا يقدر عليه سواه ، أو استحلال ذلك بمحاربة من يدعوا إلى دعاء الله وحده ، وهذا أمر شائع بين المسلمين شيوعا لا مزيد عليه ، هذا المنكر يضاف إليه المنكرات التي أصبحت عادات سائدة كالتبرج الذي يضاهي به المسلمون أفعال الغربيين الذين يرونه من صميم حضارتهم .

ولذلك فإن السلفيين مهما اختلفت وسائلهم واختصموا فيما بينهم ، ما بين أناس دخلوا في السياسة باتخاذ أحزاب يرون أنها توصل مطالب الناس إلى الدولة وذلك كحزب النور في مصر ، وآخرون رفضوا المشاركة في العمل السياسي جملة وتفصيلا ، وآخرون انخدعوا بمواعيد الإخوان المسلمين ، أقول : إن السلفيين مهما اختلفوا يؤمنون بإن إصلاح الناس وتديينهم ودعوتهم إلى الحق ،هي العمل المطلوب في هذا العصر ، وأن الداعية السلفي حين يمسك قلماً يكتب فيه ما يصلح الناس في دينهم ودنياهم خير من ألف شخص يسطرون المقالات في نقد الحكام بقصد تهييج الشعوب عليهم ؛ فإن العمل السياسي إما أن يكون إسلامياً محضاً، وإما أن لا يكون كذلك ، والسياسة الإسلامية المحضة لا يطيقها الناس في زماننا هذا لعدم امتثالهم لتعاليم الإسلام الحقة ووجوب دعوتهم إليه أولا ، فإذا امتثلوا كانت التعاليم يسيرة والسياسة الإسلامية المحضة يسيرة التطبيق ، ومالم يمتثل الناس للدين كما أمر الله تعالى فسوف تبقى العقبات كما هي ، ولن يجنوا شيئا ، وإنما يفعلون هم ، واعني الإسلاميين وغير الإسلاميين ، كما فعل الناس من زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث احتجّوا عليه بصلاته تامةً وهو حاج ،وبتولية بعض قرابته ؛ فكان مصيرهم إذ قتلوه فوضى لا ترتفع حتي يرتفع سببها ، وهو منازعة الحكام التي ضلت تُساق باسم الدين في كل وقت ولا ينتج عنها إلا خراب ودمار والدين براء منها ؛ وقد شارك في مثل هذه الفوضى أناس من كبار التابعين زمن الحجاج بن يوسف ، مشاركة كانت عليهم عاراً وشناراً ، لكنهم بكوا منها وتابوا عنها تاب الله عليهم ، فلا يغتر السلفي بأن فلانا من الناس وهو ذا قيمة وقدم في الدعوة والعلم قام محارباَ أو مؤلياً على الحاكم ، فليس هذا وإن كبرت قيمته بأكبر من الحسن البصري وعامر الشعبي وسعيد بن جبير وغيرهم ،كانوا أعلم من علماء عصرنا بكثير لكنهم وقعوا في هذا الخطأ الكبير ثم رجعوا وتابوا . 

ثم ، هل الإيمان بوحدانية الله والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى نقضه عدم فهم مسألة من المسائل مهما عظمت ؟

الجواب :لا ، فإن الإيمان حين يخامر القلب يحجزه عن دواعي الكفر ؛ لكن إن صح ما ورد في هذا البحث الذي أشرتُ إليه ، ولا يصح إن شاء الله ، فليس من زعموا أنهم سلفيون سلفيين على الحقيقة ، إذ كثيراً ما يدَّعي أنه كان سلفياً من لم يكن سلفياً أصلاً ، بل هو محقق لادعاءات  خصوم السلفية فيها ، والله سبحانه وتعالى أعلم . 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.